“رفيق.. البس كندورة أحسن”
دخلت محلاً لبيع الملابس والأحذية الرياضية، وكان البائع يراقبني ويقترب مني تارة ويبتعد تارة .. اخرى، لا أدري لماذا؟ فقلت في نفسي إنه مكلف بمراقبتي كي لا أسرق أو أبدل حذائي بآخر جديد "ولا من شاف ولا من دري"، ولكنه لا يريد أن يبيّن ذلك لي.. اخترت أحد الأحذية، وسألته عن قيمته، فسدد إليّ نظرة لم أفهم معناها، فكررت السؤال مرة أخرى، فابتسم وقال لي: "عفواً أخوي منو قالك إني أشتغل هني"، لم أعرف ماذا يجب أن أقول بعد أن اكتشفتُ أنه ليس بائعاً بل هو زبون ومواطن أيضاً يرتدي الجينز، والحمد لله أنه تقبلها بروح رياضية عريضة وابتسامة أعرض، فلو كان الشاب من محبي المشاكل لكنت ضُربت على رأسي بما كنت أنوي شراءه.. ولأنه كما تدين تُدان، فقد حصل لي هذا الموقف، واعتقد أحدهم أنني البائع، فأحرج الرجل جداً، وضحكنا معاً وقلت له: "عادي تحصل في أفضل العائلات والمحلات".
تحدث هذه المواقف المحرجة باستمرار، وأذكر أنني كنت مع صديقي في الكراج لإصلاح السيارة، ودخل الميكانيكي إلى المكتب لإنهاء عمل ما، فقدم إلينا رجل من جنسية آسيوية ولم يفكر كثيراً قبل أن يأمر صديقي بأن يفحص السيارة لأنها تخرج صوتاً غريباً، مؤكداً أن عليه أن يُنهي الأمر بسرعة فهو لا يملك وقتاً ليهدره، فما كان من صديقي إلا أن قال وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة: "أوكيه افتح البونيت"، وأخذ يتفحص السيارة، بينما أُصبت أنا بآلام في البطن من شدة الضحك.
لكن ما حدث ونحن في الطريق إلى صلالة كان مختلفاً، فعندما توقفنا في الاستراحة ودخلنا الكافتيريا، حاول أحد الجالسين فيها دفع حساب طعامه لصديقي معتقداً أنه الجرسون، فوضح له صديقي أنه لا يعمل هنا، وعند خروجنا إذا بمجموعة من الشباب يستمتعون بشرب الـ"ديو" وهم يجلسون على الطاولة خارجاً، فـنادى أحدهم صديقي قائلاً: "محمد"، ذهب صديقي إليهم، وقبل أن يصل قال أحدهم له: "واحد مارلبورو أبيض.. جلدي"، فأخرج صديقي علبة السجائر من كيسه وقال "أنا أدوخ أحمر"، فاعتذر الشباب منه وهم يخفون ابتساماتهم.. واتضح بعد ذلك أن بعض الناس عندما ينادون أي شخص لا يعرفون اسمه يسمونه محمد.
لم أعد أضحك على ما يحصل لصديقي، وخاصةً أنه أصبح أمراً عادياً ومتوقعاً، ففي صلالة وبعد أن ملأنا خزان السيارة بالوقود، وقدم العامل ليأخذ الحساب، تحدث مع صاحبنا بالأوردو معتقداً أنه سائقنا الخاص، فأوضح له أنه لا يتحدث إلا العربية، فرد عليه العامل بالأوردو غير مصدق لكلامه، إلى أن تدخلنا في الأمر، ليتحدث بعدها العامل بالعربية، وحين تحركنا بالسيارة سألنا صديقنا إن كان الرجل سأل عن الراتب الذي يستلمه من عمله كسائق.
لكن أمراً غير عادي حصل بعد أيام، فبعد أن اشترينا بعض الأغراض من أحد المحلات، أخرج أحد أصدقائنا محفظته حالفاً بأنه من سيدفع، والتفت إلى محمد قائلاً له: "كم حسابك؟"، معتقداً أنه صاحب المحل، قبل أن ينفجر ضاحكاً وهو يقول: "آسف.. والله ما كان قصدي".. فقلت لصديقي بعد انتهاء الضحك: "رفيق.. أنت لازم يلبس كندورة"
هذا الموضوع للترفيه ومناقشة مواقف طريفة تصير للمواطنين